كان اختراع البلاستيك في القرن التاسع عشر بمثابة ثورة صناعية، نشأت من حاجة ملحة لإيجاد بدائل مستدامة للمواد الطبيعية التي كانت تتعرض للاستنزاف، مثل العاج والخشب. تحول البلاستيك سريعاً من مجرد اختراع علمي إلى عنصر أساسي في بناء المجتمع الحديث، بفضل خصائصه الفريدة من المتانة، الخفة، والمرونة. لقد أتاح استخدامه في قطاعات حيوية مثل البناء، الأثاث، والتغليف تقليل الاعتماد بشكل كبير على الخشب الطبيعي، مما ساهم في الحفاظ على الغابات وظهر كحل بيئي واقتصادي.لكن هذه القصة المثالية لم تدم طويلاً. فمع التوسع الهائل في الإنتاج، الذي تضاعف أكثر من 230 مرة ليصل إلى 460 مليون طن سنوياً في عام 2019، برز الوجه المظلم للمادة. لقد كشف هذا التوسع عن تناقض جذري: فالمادة التي وُلدت لحماية البيئة أصبحت اليوم تهديداً وجودياً لها. تتفاقم الأزمة بسبب خصائص البلاستيك نفسه، حيث أن جزءاً كبيراً من نفاياته لا يمكن إدارته أو تدويره بشكل فعال، مما يؤدي إلى تراكمها في النظم البيئية والمحيطات. تشير التقديرات إلى أن حوالي ربع النفايات البلاستيكية العالمية تُدار بشكل سيء، مما يسمح بدخول ما يقدر بنحو 11 مليون طن سنوياً إلى المحيطات، مدمراً الحياة البحرية والتربة.لا تكمن المشكلة في مجرد النفايات الظاهرة، بل في تهديد صامت وأكثر خطورة يتمثل في الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي لا تتحلل بل تتفتت، مما يجعلها تتغلغل في السلسلة الغذائية وتصل إلى الكائنات الحية وحتى البشر. إن الحل لهذه الأزمة يتجاوز مجرد الدعوة للتدوير التقليدي، ويتطلب نهجاً شاملاً يعيد النظر في دورة حياة المادة بأكملها، بدءاً من الإنتاج ووصولاً إلى التخلص. هذا يتضمن الابتكارات التقنية المتقدمة مثل التدوير الكيميائي، وتطوير بدائل مستدامة مثل البلاستيك الحيوي، ووضع سياسات عالمية ملزمة، بالإضافة إلى تغيير جذري في سلوك المستهلك نحو الاقتصاد الدائري.