مقال صوتي- عن الوعي الزائف cover art

مقال صوتي- عن الوعي الزائف

مقال صوتي- عن الوعي الزائف

Listen for free

View show details

About this listen

الوعي الزائف... الخوارزميات حين نتوهم بأنها تفهمناللكاتب / محمد الجدعيخلال مقابلة سابقة مع البروفيسور نيد بلوك، أستاذ الفلسفة في جامعة نيويورك وأحد أبرز المتخصصين في فلسفة العقل والوعي، تتهاوى واحدة من أكثر الأساطير التقنية رسوخاً، أن الذكاء الاصطناعي قادر على "الوعي".بلوك يفرق بوضوح بين نوعين من الوعي، وعي نفعي يعالج المعلومات ويصل إليها (Access Consciousness) ووعي ظاهري شعوري (Phenomenal Consciousness) ، ذلك الإحساس الداخلي الذي يجعلنا نعرف كيف يبدو الألم، وما معنى أن نحب أو نخاف أو نحلم.تجارب زلزلت مفهوم الوعي"الآلة" كما يقول "قد تحاكي الوعي"، لكنها لا تعيشه، فهي تنتج السلوك الصحيح من دون أن تدرك معناه، كمرآة تفهم شكل الصورة لا روحها، ومن دون ذلك الشعور الحار بالألم أو الفرح الذي يجعل الحياة تستحق التنفس، يستعرض البروفيسور بلوك سلسلة من التجارب الذهنية التي زلزلت مفهوم الوعي ذاته ومن بينها "غرفة ماري" التي تعرف كل شيء عن اللون الأحمر من دون أن تراه، وحين تراه تدرك فجأة ما لا يمكن أن يقال بالكلمات، و"الدماغ الصيني" الذي يظهر أن أداء الأفعال لا يعني وجود إدراك، ثم "بلوكهيد" (Blockhead)، آلة افتراضية تحفظ كل المحادثات الممكنة، فتجتاز اختبار "تورينغ" ببراعة، لكنها تظل خاوية من أي شعور.ثم يضرب مثالاً بسيطاً، حين طلب من إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي توليد صور لساعات تشير إلى الساعة الـ12 وثلاث دقائق، فجاءت جميعها تقريباً تظهر العاشرة و10 دقائق لأن هذا النمط هو الأكثر شيوعاً في صور الإنترنت والإعلانات. وهكذا تعلمت الخوارزمية ما يتكرر لا ما يطلب، مكرسة بذلك أحد أعمق مظاهر الوهم، التقليد بلا إدراك، مما يسميه "محاكاة ذكية لكنها بلا وعي"، وهو جوهر الفكرة التي يحذر منها أن الآلة تتقن الصواب شكلاً، لكنها تفتقد إلى معنى الصواب نفسه.تأثير ELIZAومن هذا الباب يدخل المثال الأشهر "إليزا" ELIZA، البرنامج الذي طوره جوزيف فايزنباوم في "أم آي تي" MIT عام 1966، وكان مجرد نصوص جاهزة تعيد صياغة كلام المستخدم بأسلوب يوحي بالفهم:المستخدم: أنا حزين هذه الأيام.ELIZA: لماذا تشعر بالحزن هذه الأيام؟المستخدم: أمي لا تفهمني.ELIZA: هل تتحدث كثيراً مع والدتك؟ولم تكن "إليزا" تملك أية معرفة أو وعي، بل كانت مبرمجة بأسلوب يخلق وهم الفهم. ومن هنا ولد ما يعرف بـ "تأثير إليزا" (ELIZA Effect) الوهم بأن الآلة واعية لأنها تتحدث مثل البشر. والمفارقة أن هذا التأثير لم يتلاشَ، بل تضاعف اليوم في عصر النماذج اللغوية الحديثة التي تتحدث بطلاقة وذكاء لغوي مبهر، حتى خُيّل لكثرٍ أنهم أمام "عقل رقمي" حقيقي. لكن الحقيقة أننا نحاور خوارزمية بارعة في التنبؤ بالكلمات، تفكر بسرعة الإلكترونيات من دون نبض القلب.هل تحول الإنسان إلى ظل للخوارزميات؟ومن هذا المنعطف تحديداً، ينتقل البروفيسور بلوك إلى قلب القضية، ليست المشكلة في التقنية ذاتها، بل في وعينا بها.فكل تقدم علمي لا يسبقه وعي إنساني يتحول إلى خطر حضاري. وهنا يذكّرنا بأن التحول الرقمي لا يقاس بعدد المعالجات ولا بقدرات الخوارزميات، بل بقدرتنا على الإبقاء على الإنسان، بوعيه وأخلاقه ومسؤوليته، في مركز المشهد.فالضمير هنا ليس شعاراً أخلاقياً، بل نظام توجيه يحمي الإنسان من أن يصبح مجرد تابع لذكاء اصطناعي بلا غاية أو بصيرة.وهنا يكمن التحدي الحقيقي الذي نواجهه اليوم، ...
No reviews yet
In the spirit of reconciliation, Audible acknowledges the Traditional Custodians of country throughout Australia and their connections to land, sea and community. We pay our respect to their elders past and present and extend that respect to all Aboriginal and Torres Strait Islander peoples today.