عودة المارد الياباني تربك العالم - مقال صوتي cover art

عودة المارد الياباني تربك العالم - مقال صوتي

عودة المارد الياباني تربك العالم - مقال صوتي

Listen for free

View show details

About this listen

عودة المارد الياباني... تربك العالمللكاتب محمد الجدعيماذا يعني أن تعود اليابان إلى مسرح أشباه الموصلات بتحالف إستراتيجي لتصنيع رقائق نانومترين؟ عندما ننظر إلى تاريخ هذه الصناعة، نستعيد ذكريات السبعينيات والثمانينيات حين كانت اليابان في صدارة تصنيع الدوائر المتكاملة، متربّعة بجانب الولايات المتحدة. ولكن في التسعينيات وبداية الألفية، صعدت كوريا الجنوبية وتايوان بقوة، لتسيطر على إنتاج الشرائح المتقدمة.واليوم، مع تصاعد التوتر في مضيق تايوان وتعقّد سلاسل التوريد، يظهر أن اليابان (بمساعدة شركة أمريكية) قررت استعادة أمجادها القديمة، مدفوعةً بشراكة مع شركة IBM العملاقة، عبر تأسيس المصنع الياباني الجديد «Rapidus»، في خطوة ترمي إلى تشغيل أول مصنع رقائق نانومترين بحلول 2027. وهذه الخطوة ليست مجرد قفزة تقنية، بل هي مناورة سياسية واقتصادية تهدف لتقليل الاعتماد على تايوان وكسر احتكار عمالقة الصناعة مثل TSMC التايوانية العملاقة وشركة سامسونج الكورية الجنوبية.قد يتساءل القارئ: ما النانومتر أصلًا؟ النانومتر هو واحد من مليار جزء من المتر، أي إنك لو قسّمت المتر الواحد إلى مليار قطعة، فكل قطعة تُسمى نانومتراً. وللتقريب أكثر، يبلغ سُمك شعرة رأس الإنسان نحو 80 ألف نانومتر. تخيّل إذًن أن رقاقة حجمها نانومتران تعني أنها أصغر من شعرة رأسك بعشرات الآلاف من المرات، وأننا نتحدث عمليًا عن عالم لا يُرى بالعين المجرّدة ويقترب من حدود الذرات نفسها.هذه القفزة ليست مجرّد مسألة تقنية، بل تمسّ صميم التوازنات العالمية. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، كان السباق مستمرًا لتصغير الترانزستورات وجعلها أكثر كثافة، وصولًا إلى تقنيات 7 و5 نانومترات، حتى اقتربنا من عتبة نانومترين، حيث يصبح التصنيع كأنه محاولة للتحكّم في الذرات ذاتها. اليابان تدرك أن تحقيق هذا الإنجاز سيمنحها قوة هائلة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والسيارات الكهربائية، وأجهزة الحوسبة الفائقة، لأنه كلما ضاقت المساحة، زادت الكفاءة، وقلّ استهلاك الطاقة.التحالف مع IBM ليس مجرد استعراض عضلات؛ إنه اجتهاد مشترك يجمع خبرة بحثية تاريخية مع إرادة سياسية واقتصادية صلبة. IBM تجد في اليابان شريكًا حقيقيًا لترجمة ابتكاراتها إلى واقع صناعي ضخم، خصوصًا أن تايوان اليوم تهيمن على أكثر من %90 من الرقائق المتقدمة. من هنا، تتضح الدوافع الجيوسياسية: تقليل الاعتماد على تايوان في لحظة ترتفع فيها حدة التوتر شرقي آسيا، والسعي لمنح الولايات المتحدة واليابان موقعا أقوى في مواجهة الصين.في ظل هذا المشهد، تصبح صناعة الرقائق شبيهة بامتلاك سلاح استراتيجي. إذا نجحت اليابان في مساعيها، فستعيد رسم خريطة أشباه الموصلات، وقد تواجه ردود فعل غاضبة من بكين، وسعيًا مكثفًا من كوريا وتايوان للحفاظ على مكانتهما. لكن اليابان تراهن على أنه لا وقت للتردد؛ فمن يستطع السيطرة على هذه الصناعة، يضمن نفوذًا واسعًا في مجالات الدفاع والاتصالات والاقتصاد.السباق هنا تقني وسياسي في آن معًا، ولا أحد يعلم إن كانت اليابان ستنجح في تجاوز التحديات المالية والهندسية لتعيد كتابة قواعد اللعبة. لكن المؤكد أن الإجابة لن تتأخر؛ فالعالم يعيش لحظة مفصلية، ورقائق نانومترين هي أشبه بأداة سحرية في عالم يكافئ من يتجرأ على كسر الحدود والتحديق في المستقبل ...
No reviews yet
In the spirit of reconciliation, Audible acknowledges the Traditional Custodians of country throughout Australia and their connections to land, sea and community. We pay our respect to their elders past and present and extend that respect to all Aboriginal and Torres Strait Islander peoples today.